responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 343
قُلْنَا: قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ دُعَاءٌ بِازْدِيَادِ مَا يُوجِبُ هَذَا الْغَيْظَ وَهُوَ قُوَّةُ الْإِسْلَامِ فَسَقَطَ السُّؤَالُ:
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ دُعَاءٌ عَلَيْهِمْ بِالْمَوْتِ قَبْلَ بُلُوغِ مَا يَتَمَنَّوْنَ.
ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: (ذَاتُ) كَلِمَةٌ وُضِعَتْ لِنِسْبَةِ الْمُؤَنَّثِ كَمَا أَنَّ (ذُو) كَلِمَةٌ وُضِعَتْ لِنِسْبَةِ الْمُذَكَّرِ وَالْمُرَادُ بِذَاتِ الصُّدُورِ الْخَوَاطِرُ الْقَائِمَةُ بِالْقَلْبِ وَالدَّوَاعِي وَالصَّوَارِفُ الْمَوْجُودَةُ فِيهِ وَهِيَ لِكَوْنِهَا حَالَّةً فِي الْقَلْبِ مُنْتَسِبَةً إِلَيْهِ فَكَانَتْ ذَاتَ الصُّدُورِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِكُلِّ مَا حَصَلَ فِي قُلُوبِكُمْ مِنَ الْخَوَاطِرِ وَالْبَوَاعِثِ وَالصَّوَارِفِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ دَاخِلَةً فِي جُمْلَةِ الْمَقُولِ/ وَأَنْ لَا تَكُونَ أَمَّا الْأَوَّلُ: فَالتَّقْدِيرُ: أَخْبِرْهُمْ بِمَا يُسِرُّونَهُ مِنْ عَضِّهِمُ الْأَنَامِلَ غَيْظًا إِذَا خَلَوْا وَقُلْ لَهُمْ: إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا هُوَ أَخْفَى مِمَّا تُسِرُّونَهُ بَيْنَكُمْ، وَهُوَ مُضْمَرَاتُ الصُّدُورِ، فَلَا تَظُنُّوا أَنَّ شَيْئًا مِنْ أَسْرَارِكُمْ يَخْفَى عَلَيْهِ أَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ دَاخِلًا فِي الْمَقُولِ فَمَعْنَاهُ: قُلْ لَهُمْ ذَلِكَ يَا مُحَمَّدُ وَلَا تَتَعَجَّبْ مِنْ إِطْلَاعِي إِيَّاكَ عَلَى مَا يُسِرُّونَ، فَإِنِّي أَعْلَمُ مَا هُوَ أَخْفَى مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ مَا أَضْمَرُوهُ فِي صُدُورِهِمْ وَلَمْ يُظْهِرُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ، ثُمَّ قَوْلُ وَأَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ أَمْرُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطِيبِ النَّفْسِ وَقُوَّةِ الرَّجَاءِ وَالِاسْتِبْشَارِ بِوَعْدِ اللَّهِ إِيَّاهُ أَنَّهُمْ يَهْلَكُونَ غَيْظًا بِإِعْزَازِ الْإِسْلَامِ وَإِذْلَالِهِمْ بِهِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: حَدِّثْ نَفْسَكَ بِذَلِكَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[سورة آل عمران (3) : آية 120]
إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها] وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ تَمَامِ وَصْفِ الْمُنَافِقِينَ، فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُمْ مَعَ مَا لَهُمْ مِنَ الصِّفَاتِ الذَّمِيمَةِ وَالْأَفْعَالِ الْقَبِيحَةِ مُتَرَقِّبُونَ نُزُولَ نَوْعٍ مِنَ الْمِحْنَةِ وَالْبَلَاءِ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْمَسُّ أَصْلُهُ بِالْيَدِ ثُمَّ يُسَمَّى كُلُّ مَا يَصِلُ إِلَى الشَّيْءِ (مَاسًّا) عَلَى سَبِيلِ التَّشْبِيهِ فَيُقَالُ: فُلَانٌ مَسَّهُ التَّعَبِ وَالنَّصَبِ، قَالَ تَعَالَى: وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ [ق: 38] وَقَالَ: وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ [الْإِسْرَاءِ: 67] قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : الْمَسُّ هَاهُنَا بِمَعْنَى الْإِصَابَةِ، قَالَ تَعَالَى: إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ [التَّوْبَةِ: 50] وَقَوْلُهُ مَا أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النِّسَاءِ: 79] وَقَالَ: إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً [الْمَعَارِجِ: 20، 21] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْمُرَادُ مِنَ الْحَسَنَةِ هَاهُنَا مَنْفَعَةُ الدُّنْيَا عَلَى اخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا، فَمِنْهَا صِحَّةُ الْبَدَنِ وَحُصُولُ الْخِصْبِ وَالْفَوْزُ بِالْغَنِيمَةِ وَالِاسْتِيلَاءُ عَلَى الْأَعْدَاءِ وَحُصُولُ الْمَحَبَّةِ وَالْأُلْفَةِ بَيْنَ الْأَحْبَابِ وَالْمُرَادُ بِالسَّيِّئَةِ أَضْدَادُهَا، وَهِيَ الْمَرَضُ وَالْفَقْرُ وَالْهَزِيمَةُ وَالِانْهِزَامُ مِنَ الْعَدُوِّ وَحُصُولُ التَّفَرُّقِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ، وَالْقَتْلُ وَالنَّهْبُ وَالْغَارَةُ، فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُمْ يَحْزَنُونَ وَيَغْتَمُّونَ بِحُصُولِ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَسَنَةِ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَفْرَحُونَ بِحُصُولِ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ السَّيِّئَةِ لَهُمْ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: يقال ساء الشيء يسوء فهو سيء، وَالْأُنْثَى سَيِّئَةٌ أَيْ قَبُحَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ساءَ مَا يَعْمَلُونَ [الْمَائِدَةِ: 66] وَالسَّوْأَى ضِدُّ الْحُسْنَى.
ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ تَصْبِرُوا يَعْنِي عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَعَلَى مَا يَنَالُكُمْ فِيهَا مِنْ شِدَّةٍ وَغَمٍّ وَتَتَّقُوا كُلَّ مَا نَهَاكُمْ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 343
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست